لم يختلف أحد من المستفرقين والأفريقيين حول نشأة الشعر والدراما المسرحية فى أفريقيا خارج مجال العربية، من حيث عرافة هذين النوعين الأدبيين، وتغلغلهما في الثقافات المحلية، ولكن خلافا مريراً ثار في عهد الحرية والاستقلال حول الأنواع الأدبية الأخرى التي طورتها أوربا، وقدمتها إلي العالم في صورة ناضجة، وعلي رأسها الرواية والقصة القصيرة والسيرة. فمن الثابت أن هذه الأنواع الأدبية الثلاثة الأخيرة دخلت أفريقيا كلها عن طريق الاحتكاك المباشر بالآداب الأوربية الحديثة.
يقول الباحث الناقد أ. ر. داثورني:
“الرواية في أفريقيا هي الشكل الفني الأدبي الوحيد الذي دخل عن طريق الاستعارة الخالصة، وفرض – فوق هذا – علي تطور النموذج المحلي. فالدراما والشعر- من جهة أخرى- كانا جزءاً لا يتجزأ من التراث الأفريقي. زكانا يؤديان وظيفتهما داخل التقاليد الشفاهية، ويساهمان في المناسبات الشعائرية والاحتفالية. تشبعها. وليس من المدهش إذن أن تلقي الرواية الاهتمام الشديد من الأدباء الجدد عند دخول التعليم. فالرواية بطبيعتها تؤسس أرضا ذات اتصال واستجابة شخصين، وتفعل ذلك- إلي حد ما- بصورة ملموسة. وقد قامت في أفريقيا بتكملة الرؤية الفنية للعالم، بل أدمجت في هذه الرؤية- بمعني أكبر وأهم- جماليات التقاليد الشفاهية التي لم تنتم إليها علي الإطلاق. ونتج عن المفهوم الأوربي لها- بعد ا، طوره التفسير اللإريقيالمحلي- ما يسمي اليوم باسم الرواية الفريقية. وكان تطورها عن طريق الممارسة، ابتداء من التعبير المباشر المسطح الفج إلي التجربة المتقنة”.
ومع ذلك رأي الكثير من الفريقين أن الرواية ليست غريبة عن تراثهم الشقاهي الحافل بالسير الشعبية والحكايات الخالية والأساطير. وتوزعت القضية بين معسكرين: “أحدهما يرى القصة الأفريقية المعاصرة غريبة أساساً، والآخر يراها أفريقية أساساً، وكلاهما يحكم عليها بناء علي رؤيته” علي حد تعبير المستفرق الأمريكي بارتولد بوني الذي قام حلا وسطاً للخلاف. فقال إن الرواية غريبة إلي وجه الاصطلاح، ولكن إذا كتبها أفريقي تصبح أفريقية علي وجه الاصطلاح أيضاً. ومن ثمة سيجد الذين ينطلقون من كونها نوعا أدبيا جذورا غريبة في الرواية الأفريقية، وسيجد الذين ينطلقون من كونها وسيلة للتعبيرالشخصى أو التعليق الاجتماعي جذوراً أفريقية لها.
غير أن القضية الحقيقية تظل أبعد مدى من هذه القضية الثانوية التي لا تقدم ولا تؤخر. فمن الملاحظ عموماً أن الأفارقة أضفوا علي هذا الشكل الفني الذي طورته أوربا- بلا شك- كثيرا من الطوابع المحلية، مما ورثوه من طريق متعددة في الحكي والسرد، وعناصر خاصة باللغة والبيئة، وأدوات مختلفة في رسم الشخصية والحوار والتعبير عن الزمن. ومع أن تجربتهم الروائية لا تبعد عن هذا القرن فقد تطورت علي نحو هائل خلال ربعة الأخير- كما وكيفا علي السواء- كما سنرى.
الأربعاء ديسمبر 10, 2014 11:25 am
