شعر البقر في الأدب الإفريقي

في أدبنا الإفريقي مجالاتٌ وموضوعات وقضايا كثيرة لم يتعرَّض لها الدَّارسون والنُّقاد بعدُ. من ذلك شعر البقر لدى كثيرٍ من الإثنيات الإفريقيَّة. وحتى نقرِّب هذا الموضوع، فإننا نقارنه بوصف النَّاقة في المقدِّمات الطَّلليَّة، وهو بابٌ واسعٌ في الشَّعر العربيِّ القديم.

تبرز أهميَّة البقر في كثيرٍ من المجتمعات الإفريقيَّة؛ بوصفها العمود الفقريَّ لتلك المجتمعات، وقوام عيشها وبقائها، فالمجتمع الإفريقيُّ ينقسم إلى قسمين كبيرين: زراعيَّة ورَعَويَّة.

من المجتمعات الرَّعويَّة التي تتَمَحْوَر حياتها وثقافتها حول البقر: فولاني، وماسايْ، وهيريرو، وأرومو، وباهيما (في يوغندا). فهذه المجتمعات تربط أصولها بالبقر. على سبيل المثال، تزعم إثنية ماسايْ أن الإله الخالق خلق البقر مع الإنسان الأوَّل وهو ماسايْ، وأنزلهما على الأرض، فكلُّ بقرةٍ على وجه الأرض هي مِلْك لماسايْ.
عليه، لا نكاد نجد مظهرًا ثقافيًّا أو اجتماعيًّا عند الإثنيَّات المذكورة إلا ولها علاقةٌ بالبقر: في طقوس العقيقة، وفي الختان، وفي الزَّواج ودفع المهور، والوفاة، ودفع الغرامات، ولدى أولئك معرفة عميقة وواسعة بالبقر وأمراضها ومنافعها…

شعر البقر
أما أشعار البقر، فهي معروفة منتشرة عند المجتمعات الرعويَّة، ويطلق عليه
لدى فولاني Jammooje n’ai
ولدى باهيما oku gambente
ولدى أرومو في شرق إفريقيا faaruu looni
ولدى توتسي في رواندا ibiririmbo
وغيرها من الإثنيات. ويشار إلى ذلك في البحث الأدبي الإنجليزي بـ
Cattle praising songs/poems
هذا، وتتمَحْوَر موضوعات شعر البقر في الآداب الإفريقية حول وصف جمال البقر وأنواعها وطبائعها، وذكر أنسابها، وطرق الرعي والعناية بالبقر، ووصف الأماكن الطبيعيَّة والوحوش، والحنين إلى الأهل، وذكر مشاعر الحب والتغزُّل بالمرأة وذكر مفاتنها، والفخر بكثرة البقر، والمشاعر الإنسانيَّة في حب الحريَّة والتَّنقُّل الحرِّ في الأراضي…

نموذج شعري

بقري تسير.. تملأ الوادي والأرض اهتزازا
تحرِّك الأشجار وتخوضُ الأنهارا..
تعكِّر الأحواض
تخورُ بقري؛ فتَنْفر الظِّبيان
تخور بقري؛ فتهرب الثِّيران الوحشيَّة
تخور بقري؛ فتَختبئ القرود.
تسير بقري؛ فتجلب الخير قريبا
في أعالي الجبال، قرود البابونْ.
في السُّفوح، لي بقري!
في الجبال الجداول.
ولي بقري.
البِرَك لها سمَكُها,
ولي بقري!
الأنهار لها مياهُها
ولي بقري!

نموذج آخر:
دع البقر تسير نحو آداماوَا Adamaawa
بضروعها الممتَلئة
تخطُّ الأرض بآظلافها المنفرجة
ببطونها الممتلئة (من الحمل)
دع الأعشاب الطَّويل تخضرُّ بـ غادابي Gadabi
إنَّ الرَّجل الفقير مثل طفلٍ لا حيلة له.

أخيرًا، كان الهدف من إيراد هذه النَّماذج لفت انتباهنا جميعًا إلى التَّجديد في الأدب الإفريقيِّ إبداعًا ودراسةً ونقدًا، ولعل بعض الباحثين الشَّباب في أقسام اللُّغة العربيَّة يخصِّصون بعض أبحاثهم لهذا النَّوع من الشِّعر عند فولاني أو مسائي أو غيرهما.